إن دور الأسرة في تنمية الموهبة و الإبداع يمثل تحديا أخر يواجه أسر الموهوبين من أجل توفير البيئة الميسرة لتنمية الموهبة ويعتقد بلوم ،Bloom 1985 ) أن الأسرة تلعب الدور الأهم في تشكيل الموهبة لدى الطفل, وأن الأسرة إذا لم تقم بتشجيع الطفل وتقديره وتوفير المناخ الملائم له في البيت، فإن الموهبة قد تبقى كامنة. ولقد بين بلوم في دراسة أجراها على ( 120 ) موهوبا أظهروا نبوغا في صغرهم في مجالات متنوعة، مثل العزف على البيانو, أو النحت، أو السباحة ، أو التنس ، أو الرياضيات ، أن دور البيت أهم من دور المدرسة في تنمية الموهبة لدى الطفل . ولكن على الرغم من ذلك فإن غياب دور المدرسة في اكتشاف الموهوبين وتنميتهم, أو قهر الموهبة بإتباعها أساليب تربوية عقيمة سوف يؤدي إلى إعاقة دور الأسرة، حيث لن تستطيع تعويض هذا القصور من جانب المدرسة . ويبين بلوم أن دور الأبوين يتمثل في توفير نماذج إيجابية يقلدها الطفل ، وامتلاك اتجاهات إيجابية نحو العلم والتعلم .
خصائص البيئة الأسرية للأطفال الموهوبين
تشير دراسات تناولت السيرة الذاتية للمشهورين والنوابغ من العلماء والمفكرين والقادة في مجالات السياسة والآداب والعلوم أ´ن هناك بعض ملامح مشتركة في بيئتهم الأسرية خلال طفولتهم المبكرة يمكن تلخيصها كما يلي: :
1 – حجم الأسرة :
في دراسة تيرمان الكلاسبكية( Terman 1925 ) على عينة قوامها حوالي ( 1000 ) من الموهوبين بينت أن 60 % من أفراد عينته كانوا ينتمون إلى أسر عدد أفرادها اثنان .
وفي دراسة أجراها سيلفرمان وكمرني ( Silverman & Kearney ) على ( 23 ) طفلا موهوبا يتجاوز
مستوى ذكائهم ( 170 ) درجة تبين أن 65 % من أسر هؤلاء كان متوسط عدد أطفالها اثنين .
ووجدت دراسة أخرى أجراها فان تاسل باسكا ( Van Tassel Baska 1983 ) على مجموعة من الطلاب
المتميزين في الاختبارات التحصيلية في الرياضيات واللغة أن نصف الحاصلين على الدرجات الأعلى ينتمون إلى أسر متوسط عدد الأطفال فيها اثنان
وبينت دراسة بينبو وستانلي ( Benbow & Stanley 1998 ) التي أجريت على ( 900 ) طفل موهوب
في الرياضيات أن عدد الأطفال في هذه الأسر كان حوالي ثلاثة أطفال .
وفي دراسة لجروس ( Gross 1993 ) تبين أن ( 24 ) من ( 36 ) أسرة من أسر الأطفال الموهوبين بلغ عدد الأطفال فيها اثنين .
و يتضح من هذه الدراسات أن, حجم أسرة الطفل الموهوب صغير نسبيا، وأن عدد أفرادها قليل . ويمكن
تفسير ذلك بأن الطفل الموهوب عندما يعيش في أسرة حجمها صغير نسبيا فإن الاهتمام به يكون أكثر، والوقت الذي يقضيه الوالدان معه أكبر، مما يساهم في إظهار موهبته ، كما أن الأسرة تستطيع أ´ن توفر دعما ماديا ومعنويا بشكل أفضل .
2- ترتيب الطفل في الاسرة :
بينت دراسة تيرمان ( Terman 1925 ) أن 60% من أفراد عينته كان ترتيبهم الأول أو الوحيد في الأسرة
وفي الدراسة التي أجراها البرت ( Albert 1980 ) على رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ، ونوابهم ، ورؤساء وزراء بريطانيا، وحائزين على جائزة نوبل في الولايات المتحدة تبين أن 75% من أفراد العينة كان ترتيبهم الأول في الأسرة ، أو كانوا يتمتعون بمكانة خاصة فيها (الطفل الأكبر، الطفل الوحيد، الطفل الأصغر ولد بعد مرور عدة سنوات 0
وفي دراسة أخرى أجراها سيلفرمان وكيرنر ( Silverman & Kearny 1989 ) على 23طفلا موهوبا بلغ مستوى ذكائهم فوق ( 170 ) درجة تبين ان 60 % من أفراد العينة كان ترتيبهم الأول و الوحيد في أسرهم .
أما دراسة بينبو وستانلي ( 1980 Benbow & Stanley ) على عينة قوامها ( 900 ) طفل موهوب فقد بينت أن عدد أفراد الأسرة كان حوالي ثلاثة فقط .
وفي دراسة جروس (Gross 1993) على عينة تتكون من ( 40 ) طفلا موهوبا من أستراليا تبين أن حوالي72 % من الأطفال الموهوبين كان ترتيبهم الأول في الأسرة ، وأن . 2% منهم أطفال وحيدون .
تبين العديد من الدراسات السابقة أن الطفل الموهوب يحتل الترتيب الأول أو قد يكون الطفل الوحيد، أو قد يتمتع بمكانة خاصة في الأسرة ، ويمكن تفسير ذلك بأن هذا النوع من الأطفال يلاقون معاملة خاصة في الأسرة ، إذ يتم تشجيعهم على الاستقلالية ولعب دور قيادي في الأسرة منذ الصغر، وبسبب احتكاكهم بالوالدين وتفاعلهم الدائم معهما يكونون أقدر من باقي الإخوة على ا. اكتساب اللغة بشكل مبكر، مما يساهم في تنمية ذكائهم ، ا وإظهار قدراتهم الكامنة .
3- عمر الأبوين :
بينت دراسة تيرمان ( terman 1925 ) على أسر الأطفال الموهوبين أن متوسط عمر الأب عند ولادة الطفل الوهوب كان 33 سنة وستة شهور، ومتوسط عمر الأم كان 29سنة .
وفي منتصف الثمانينيات أجرى روجرز دراسة على عدد من الأطفال العاديين بينت أن متوسط عمر الأم كان 25سنة و4 أشهر بينما بينت دراسة سيلفرمان وكيرني أن متوسط أعمار الأمهات كان 29سنة و6شهور. وبينت دراسة فان ( تاسل باسكا ) أن معظم أعمار أمهات الأطفال الموهوبين ا في عينته كان في أواخر العشرين ومعظم أعمار الآباء كان في أوائل الثلاثين .
ا وفي دراسة جروس على العينة الأسترالية تبين أن متوسط أعمار الأمهات كان 28سنة وثلاثة أشهر، ومتوسط أعمار الآباء كان 28سنة و11 شهرأ .
يتضح من الدراسات السابقة أن أعمار الآباء ا والأمهات للأطفال الموهوبين كانت كبيرة نسبيا، أي في أواخر العشرين أو أوائل الثلاثين . ويمكن عزو ذلك إلى أن الأبوين في هذا العمر يكونان أكثر نضجا من الناحية العاطفية وأكثر استقرارا من الناحية المادية مما ينعكس إيجابا على تنمية الموهبة الكامنة لدى طفليهما .
4- المستوى التعليمي والمهني للأبوين :
بينت معظم الدراسات أن المستوى التعليمي لإباء الأطفال الموهوبين أفضل من المستوى التعليمي لإباء الأطفال العاديين ، وأن نسبة لا يستهان بها منهم قد أتموا. المرحلة الجامعية .
ويبدو أن تربية الموهبة توجد حتى لدى الأسر التي تعيش في ظروف معيشية سيئة إذا ما توافر فيها الدعم المعنوي الكافي لأبنائها، وشعرت بالتقدير للعلم والعمل وإذا وجد على الأقل شخص راشد في البيت يوفر التشجيع والتوجيه للطفل الموهوب
كما تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة أسرية ثرية ثقافيا ( توافر الكتب والمجلات والألعاب والرحلات ، والتواصل اللفظي مع الأبوين …)، وان كانت إمكانياتها المادية متواضعة , كانوا أميل إلى امتلاك القدرة على حل المشكلات والمهارات ، العقلية العالية ، وأكثر قدرة على الاستفادة من الخبرات والإمكانيات التعليمية الجيدة في المدرسة من الأطفال الذين ينتمون إلى بيئة فقيرة ثقافيا 0
وبالنسبة للمستوى المهني لآباء الموهوبين تبين الدراسات في هذا الصدد أن معظمهم كانوا يحتلون مراكز مهنية وإدارية ، إذ بينت دراسة تيرمان ان 29% من أفراد عينته كانوا من المهنيين ، بينما بينت دراسة فان تاسل باسكا أن معظم أباء أفراد عينته من الأطفال الموهوبين كانوا من المهنيين , وأن 20% منهم كانوا من رجال الأعمال ، و15% معلمات و8% ممرضات .
أما دراسة جروس على العينة الأسترالية فلقد بينت أن 25% كانوا من الأطباء أو المرتبطين بالطب ، وأن 14% منهم كانوا تربويين ، و25% كانوا يحتلون مراكز إدارية . أما الأمهات فحوالي 64% كن عاملات في مراكز مهنية متنوعة .
يتضح جليا من هذه الدراسات أن المستوى التعليمي والمهني للأبوين يؤثر بصورة إيجابية على تنمية الموهبة لدى الطفل لأن الأبوين المتعلمين اللذين يتمتعان بمراكز مهنية يكونان أقدر على توفير البيئة الميسرة لتنمية الموهبة ، والمناخ التربوي والنفسي الملائم لإطلاق طاقته الإبداعية .
لقد ركزت معظم الدراسات السابقة على متغيرات ثابتة في البيئة الأسرية من الصعب التحكم بها أو تغييرها مثل العمر، والمستوى التعليمي للأبوين ، وترتيب الطفل في الأسرة ، لذا كان لابد من اللجوء إلى بعض الدراسات التي ركزت على متغيرات أكثر ديناميكية مثل التوافق الأسري وأساليب التنشئة الأسرية .
5- العلاقات الأسرية :
تشير معظم الدراسات حول العلاقات الأسرية والموهبة إلى أن أسر الطفل الموهوب تتمتع بتوافق أسري جيد، وأن نسبة الطلاق منخفضة ، وجدير بالذكر أن هناك أطفالا موهوبين لم يحققوا نجاحا في الحياة المدرسية على الرغم من تشابه خصائص حياتهم الأسرية مع الأطفال الموهوبين الناجحين ، وذلك لأنهم اختلفوا عنهم في العلاقات الأسرية بين الوالدين ، حيث تميزت العلاقات الأسرية للموهوبين الناجحين بالتفاهم والحب والسعادة الزوجية ، بينما اتسمت العلاقات بين الأبوين لدى الأطفال الموهوبين الفاشلين بالخلاف والمشاجرة والانفصال وكذلك العلاقة بين الأبوين والأبناء ( Rim & Low 1988 ) 0
6- أساليب التنشئة الأسرية :
تبين العديد من الدراسات أن أساليب التنشئة الأسرية تلعب دورا كبيرا في تنمية الموهبة والإبداع لدى الأطفال . ومن الدراسات الكلاسيكية المعروفة في هذا المجال دراسة ( آن رو ) التي قامت بدراسة على ثلاث مجموعات من العلماء المبدعين ، فوجدت أن أهم عوامل البيئة الأسرية المشجعة للإنجاز العالي هي توافر الحرية وتضاؤل العقاب والتشجيع المستمر الذي يستخدمه الآباء مع أبنائهم .
وتشير معظم الدراسات العربية والأجنبية في هذا المجال إلى أهمية توافر العناصر الآتية في البيئة الأسرية الميسرة للإبداع أحد الأبعاد الأساسية للموهبة :
– ممارسة الأساليب الأسرية السوية في تنشئة الأبناء أي البعد عن التسلط أو القسوة ، والتذبذب في المعاملة ، والمفاضلة بين الأبناء، والتدليل الزائد، والحماية المفرطة ، وغيرها من الأساليب غير السوية 0
– تشجيع الاختلاف البناء.
– تقبل أوجه القصور.
– وجود هوايات لدى الأبناء.
– توافر جو من القبول والأمان وعدم الإكراه .
– إتاحة الفرصة للاستقلالية والاعتماد على النفس .
– الاتجاه الديمقراطي والإيجابي نحو الأبناء .
– الانفتاح على الخبرات .
– التنوع في الخبرات .
– تعويد الطفل على التعامل مع الفشل والإحباط .
(عبدالحليم محمود السيد، 1980، أديب الخالدي، 1981 , عبدالرحمن العيسوي 1980 ’ احمد عباده 1986 )
كما تبين الدراسات في هذا المجال أن بعض الاتجاهات الوالدية تساعد على تنمية الإبداع ومن أهمها تشجيع التفكير اللانمطي للأدوار الجنسية ، أي عدم قولبة كل من الذكر والأنثى في أدوار تقليدية معينة ، والتي ترى
أن أدوار الأنثى ترتبط بالعلاقات الاجتماعية ، وأنها قد خلقت للبيت وتربية الأولاد، وأن الذكر دوره هو كسب
القوت والأدوار التي تتعلق بالإنجاز، بل النظر إلى الابن أو الابنة حسب قدراته وميوله بغض النظر عن كونه ذكرا أو أنثى، ( أندرسون وتوليفسون )0
وبالنسبة لدور كل من الأم والأب تبين معظم الدراسات في هذا المجال أن الأم تلعب دورا مؤثرا في تنمية موهبة طفلها، وخصوصا في السنوات الأولي من عمره ، والتراث السيكولوجي يزخر بالعديد من الدراسات التي تبين هذا الدور. ومعظم الدراسات يؤكد أن هناك ارتباطا وثيقا بين ذكاء الأم وطفلها، ويؤكد أن مستوى تعليم الأم بصورة خاصة ومشاركتها ومتابعتها لأمور الطفل وهو صغير لها أثار إيجابية بعيدة المدى على تربية الموهبة لدى الطفل مستقبلا.
كما أورد( لوي ولويز ) عددا من الدراسات التي بينت أن هناك ارتباطا قويا بين 0 توقعات الأم وذكاء طفلها . ومن الصعب التحقق في هذا الصدد من اتجاه العلاقة بين توقعات الأم وقدرات طفلها، وتحديد العلاقة السببية بينهما، وأي متغير يسبب الآخر، وما إذا كانت توقعات الأم هي التي تؤثر على ذكاء الطفل ، أم أن العكس صحيح . ولكن من الثابت علميا أن نوعية التفاعل بين الأم وطفلها بغض النظر عن السبب الحقيقي في إحداث هذا التفاعل يلعب دورا كبيرا في تربية الموهبة لدى الطفل ، وأن الأم تمتلك توقعات عالية لطفلها تكون أقدر على توفير بيئة غنية ميسرة لتنمية موهبته .
والتفاعل اللفظي بين الأم وطفلها يلعب دورا كبيرا في تنمية القدرات العقلية لدى الطفل منذ أشهره الأولى، وتشير الدراسات إلى أن التفاعل اللفظي لأمهات الأطفال الموهوبين يتسم بالتعزيز اللفظي، وإعطاء إرشادات لفظية ، وإلقاء أسئلة مفتوحة ، وعدم إعطائه إجابات جاهزة بل تشجيع الطفل على أن يبحث عنها بنفسه ، وكذلك حب الاستطلاع لديه ( بورتس ) 0
اما بالنسبة لدور الأب فإنه لا يقل عن دور الأم في تربية الموهبة والإبداع لدى الطفل ، على الرغم من أن معظم الدراسات السابقة قد ركز على دور الأم فقط . وفي إحدى الدراسات التي أجراها ( كارنز وشويل ) على عدد من أباء الأطفال الموهوبين في مرحلة رياض الأطفال تبين نتائج هذه الدراسة أن هناك تباينا كبيرا بين تفاعل أباء الأطفال الموهوبين وبين أباء الأطفال غير الموهوبين . ولقد تجلى هذا التباين في أربعة أمور وهي :
– كان أباء الأطفال الموهوبين أكثر مشاركة لأطفالهم من أباء الأطفال العاديين ، ومن حيث كم ونوعية الوقت الذي يقضيه الأب مع طفله . وتشير هذه الدراسة إلى أن أب الطفل الموهوب يقضي وقتا في القراءة لطفله الموهوب قدره ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه أب الطفل العادي مع طفله ، وكذلك يقضي اوقاتا مع طفله تزيد بنسبة 20% عن الأوقات التي يقضيها أب الطفل العادي مع طفله حيث يشارك في هذه الأوقات طفله في الذهاب إلى السينما، او ممارسة الرياضة ، أو الذهاب في رحلات إلى حديقة الحيوانات مثلا.
– وبالنسبة لنشاط القراءة ، فلقد حرص أباء الأطفال الموهوبين على تنويع نشاطات القراءة ، واهتمامهم لم يقتصر على مجرد القراءة لأطفالهم ، بل التركيز على مساعدة الطفل على التمييز بين بعض الكلمات والأصوات .
– اهتم أباء الأطفال الموهوبين بالتواصل اللفظي أكثر من أباء الأطفال العاديين ، ولقد تضمن التواصل الشفوي الجانب المعرفي والوجداني، كأن يشرح الأب لطفله بعض المفردات الجديدة المتعلقة بمحيطه ، ومشاعر الآخرين .
– كان أباء الأطفال الموهوبين أكثر اهتمام بالنشاطات الذهنية التي تتطلب استخدام العضلات ، الدقيقة ، وتتطلب نشاطا ذهنيا كلعبة الليجو (Lego)، أكثر من اهتمامهم بالنشاطات الحركية التي تتطلب استخدام العضلات الكبيرة ، كركوب الدراجة أو الركض .
– ركز آباء الموهوبين على بث الثقة في نفس الطفل ، وتجنب استخدام الألفاظ ألنابية ، وإظهار القبول غير المشروط لذات الطفل ، وكانوا أكثر اهتماما بالأسئلة غير المألوفة ، وتشجيع الميل للفضول .
تؤكد معظم الدراسات الآنفة الذكر أهمية توافر البيئة الغنية ثقافيا، الآمنة سيكولوجيا لتنمية الموهبة والإبداع لدى الطفل في الأسرة ، ومن أهم عناصرها توافر الكتب والألعاب المثيرة ذهنيا، وتشجيع الرحلات العلمية والثقافية ، وتشجيع الهوايات ، والإجابة عن أسئلة الطفل ، وتشجيع القراءة ، والتواصل اللفظي بين الآباء والأبناء.
كما تشير إلى أن أساليب التنشئة الأسرية التي تناسب الطفل الموهوب بصورة خاصة هي تلك التي تستخدم الإقناع معه ، وتعمل على احترام عقله ، لأن أسلوب الضرب واستخدام القسوة في المعاملة مع الطفل الموهوب بالذات معناه قتل موهبته وهي مازالت في المهد، وأساليب التنشئة الأسرية التي تساهم في تنمية موهبة الطفل هي تلك التي تتجه نحو التسامح والقبول والانفتاح ،
دور الأسرة في رعاية الطفل الموهوب
إن رعاية الطفل الموهوب في الأسرة تمثل تحديا أخر صعبا للأسرة ، وللتعرف على أهم أساليب رعاية الطفل الموهوب في الأسرة لا بد من التعرف على نوعية المشكلات التي تواجهها الأسرة عند وجود طفل
موهوب فيها .
وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة قد بينت أنه من أهم خصائص البيئة الأسرية التي تنمي الموهبة والإبداع لدى الطفل هي البيئة الثرية ثقافيا والآمنة سيكولوجيا ، إلا أن هناك العديد من الدراسات تؤكد أن أسرة الطفل الموهوب في الواقع تواجه العديد من المشكلات مع طفلها الموهوب .
ويبدو أن هناك بعدا غائبا في تربية الطفل الموهوب ، وهو عدم مراعاة احتياجاته العاطفية والنفسية ، ففي إحدى الدراسات التي أجريت على أسر الأطفال الموهوبين في جامعة (Purdue) تبين أن الموهبة ليست بالضرورة خبرة سارة سواء كان ذلك للطفل أم للأسرة , بسبب بعض المشكلات العاطفية والاجتماعية التي يواجهها الطفل الموهوب .
ويبدو أن المشكلة الرئيسة التي تواجه أسرة الطفل الموهوب هي عدم فهم الأسرة لدورها في رعايته وفي جهلها لأسلوب التعامل الصحيح معه ، ولقد عبر ( هاكني ) عن هذه المشكلة بقوله أن أسرة الطفل الموهوب لا تدري كيف تتعامل مع طفلها الموهوب الذي يحتاج إلى فهم متعمق ، وأساليب خاصة في التعامل ، وأنها تتعامل معه على أساس معايير الطفل العادي، لذلك تشعر بالحيرة عندما لا تفلح معه هذه الأساليب في التربية .
ولقد أكد ( جولمان ) من خلال النموذج الذي اقترحه والذي سماه بالذكاء العاطفي أن تربية الذكاء العاطفي لدى الأطفال لا تقل أهمية عن تربية الذكاء العقلي.
وان العديد من الأفراد الموهوبين الذين يتمتعون بذكاء عال قد يفشلون في الحياة العملية إذا لم يمتلكوا الذكاء . العاطفي الذي يجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع مشاعر الفشل في الإحباط والغضب والانفعال ، وأكثر قدرة على : التعاطف مع الآخرين ، وعلى استخدام المهارات الاجتماعية التي تجعلهم أكثر كفاية في حل المشكلات .
وبين ( روس ) أنه كلما كانت الفجوة في القدرات العقلية للطفل الموهوب كبيرة بينه وبين أفراد أسرته كان تأثير الطفل الموهوب أكبر سلبية عليها .
وفي دراسة ( هاو ) على عدد من أسر الأطفال العباقرة بين الدروس المستفادة من البيئة المبكرة للأطفال العباقرة ، الذين أظهروا موهبة خارقة في سن مبكرة ، ولقد حددها على النحو الآتي :
– الدرس الأول المستفاد من البيئة الأسرية المبكرة للطفل العبقري هو أن شغف الطفل بالتعلم كان بمنزلة عمله اليومي في ظل أبوين يمتلكان توقعات عالية جدا لأداء طفليهما العبقري. فعلى سبيل المثال كان العبقري الموسيقي الطفل ( يويوما ) يعزف مقطوعات موسيقية لباخ وهو في سن الرابعة ، وكان يتدرب يوميا على العزف الموسيقي بصورة منتظمة وجادة . ويبدو أن والدي الطفل العبقري كانا مصممين مسبقا . حتى قبل ولادة طفليهما أنه سوف يكون عبقريا، وكانا يوفران له البيئة المحفزة للإبداع . فعلى سبيل المثال أم المهندس العبقري ( فرانك رايت ) وضعت منذ ولادته على جدران حجرته صور تصميمات هندسية .
– الدرس الثاني من حياة الأطفال العباقرة أن بيئتهم الأسرية كانت تتسم بالصرامة والضغط الشديدين لدفع الطفل نحو التميز. مثل ( نوربرت واينر ) الذي كتب في سيرته الذاتية أنه قد قضى سنوات طفولة تعيسة في صراع مع والديه للحصول على استقلاليته ، فقد كانا يفرضان عليا حماية زائدة ، وحياة انعزالية . ويبدو أن أسر هؤلاء الأطفال تستثمر قدرا هائلا من الجهد والطاقة في الطفل ، خوفا على موهبته من الضياع ، وبأسلوب مبالغ فيه ، والطفل المبدع لا يستطيع أن يتنفس إلا في جو مليء بالحرية ولا يمكن لموهبته أن تنمو وتزدهر إلا في مناخ يتيح له الاستقلالية الاعتماد على النفس ، لذا فان الصراع الأسري بين الطفل الموهوب وأسرته يحتدم عندما يعيش الطفل الموهوب في هذا النوع من الأسر.
– الدرس الثالث المستفاد هو أن الأطفال العباقرة يأتون من أسر يتمتع أحد الوالدين أو كلاهما بمستوي عالي من التعليم ، ويشعر بتقدير وحماس شديدين للعلم ، إلا انه يصر على دفع طفله منذ الصغر على التحصيل العلمي والتفوق الدراسي .
أ.د جيهان العمران
Copyright © 2021 ksatalent.org All Rights Reserved.
جميع الحقوق محفوظة لـ ترانا لتقنية المعلومات